تمهيد: لماذا اخترنا هذا الموضوع؟
عمر بن الخطاب رضي الله عنه من عمالقة التاريخ، وأحد المبشرين بالجنة، فرّق الله به بين الحق والباطل، وأعز الله به الإسلام، ونال شرف الصحبة للنبي صلى الله عليه وسلم، ومات وهو عنه راض، صاحب المواقف الإسلامية الرجولية المتميزة في إدارة الحكم وتيسير شؤون الرعية، رضي الله عنه وعن سائر الصحابة أجمعين.
أولا: نسبه
هو عمر بن الخطاب بن نُفَيْل بن عبد العُزَى بن ِرياح بن عبد الله بن قُرْط بن ِرزاح بن عدي بن كعب بن لؤي العدوي القرشي، يلتقي مع نسب النبي صلى الله عليه وسلم في جده كعب.
ثانيا: كنيته
يكنى بأبي حفص، نسبة لابنته حفصة رضي الله عنها وهي إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي اللغة لفظة «حفص» تعني ابن الأسد.
ثالثا: لقبه
بعد وفاة الرسول صلى صلى الله عليه وسلم خلفه أبو بكر الصديق ولُقب بخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد وفاة أبي بكر الصديق واستخلاف عمر لقب بخليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستثقل عمر ذلك، وحدث أن قدم رسولان من أمير العراق وقالا لعمرو بن العاص: [استأذن لنا عند أمير المؤمنين]، فصار ذلك لقبا لعمر بن الخطاب رضي الله بعد أن استحسنه الصحابة ووافقوه عليه.
رابعا: بعض صفاته ومواقفه
- كان الرسول صلى الله عليه وسلم- قبل إسلام عمر - يدعو: (اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين)
والعمران هما: عمر بن الخطاب، وعمر بن هشام (أبو جهل) فاختار الله تعالى عمر بن الخطاب، وبعد إسلامه طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجهر بدعوة الحق، فأنزل الله تعالى قوله: ﴿فَاصْدَعْبِمَاتُؤْمَرُوَأَعْرِضْ عَنِالْمُشْرِكِينَ﴾ [سورة إبراهيم، الآية 94].
فسماه الرسول صلى الله عليه وسلم بالفاروق الذي فرق الله به بين الحق والباطل.
- لما أسلم عمر بن الخطاب قصد أبا جهل وهو من أعتى صناديد قريش يخبره بإسلامه فأوصد دونه بابه قائلا: [أفسدت علي هذا اليوم].
- أول من جمع القرآن في مصحف واحد وقال: [والله إن فيه خيرا ومصلحة للإسلام]، وذلك بعد واقعة اليمامة في السنة الحادية عشرة للهجرة حيث استشهد سبعون من القراء.
- أول من جمع المسلمين لصلاة التراويح في رمضان.
- جاء القرآن الكريم موافقا لرأيه، ومن أمثلة ذلك أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم أنه يتمنى أن يكون مقام إبراهيم مصلى، فنزل قوله تعالى: ﴿...وَاتَّخِذُواْمِنمَّقَامِإِبْرَاهِيمَمُصَلًّى...﴾ [سورة البقرة، الآية 125].
- جاء رسول كسرى يطلب عمر بن الخطاب فوجده مستلقيا تحت جذع نخلة فقال: [عدلت فأمنت فنمت يا عمر]، فقد اشتهر بإقامة العدل بين الرعية لذلك أمن على نفسه.
- في عام المجاعة «عام الرمادة» بعد أربع سنوات من القحط والجدب بعث لولاته طالبا النجدة، وصلى صلاة الاستسقاء مستسقيا بعم الرسول صلى الله عليه وسلم العباس، وكان حكيما في تسيير الأزمة فلم يطبق حد السرقة لشبهة الفقر، ومما قاله: [أيها الناس، استغفروا ربكم إنه كان غفارا، اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك، اللهم إنا نتقرب إليك بعم نبيك... اللهم قد ضرع الصغير، ورق الكبير، وارتفعت الشكوى، وأنت تعلم السر وأخفى، اللهم أغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون].
- جاءه قبطي من مصر يشكوه حينما ضربه ابن عمرو بن العاص فأمره أن يقتص منه، وقال مقولته الشهيرة: [متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟].
- خطب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في الناس خطبة تبرز معالم السياسة الحكيمة والقيادة الراشدة التي تترجم مبادئ الإسلام الكبرى في تسيير شؤون الأمة: بلغني أن الناس هابوا شدتي، وخافوا غلظتي وقالوا: قد كان عمر يشتد ورسول الله بين أظهرنا، ثم اشتد علينا وأبو بكر والينا دونه، فكيف وقد صارت الأمور إليه؟ ألا من قال هذا فقد صدق، فإني كنت مع رسول الله عونه وخادمه، وكان عليه السلام من لا يبلغ أحد صنعته من اللين والرحمة، وكان كما قال الله تعالى بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيم، فكنت بين يديه سيفا مسلولا حتى يغمدني أو يدعني فأمضي، فلم أزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك حتى توفاه الله وهو عني راض، والحمد لله على ذلك كثيرا وأنا به أسعد، ثم ولي أمر المسلمين أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده فكان ممن لا تنكرون دعته وكرمه ولينه، فكنت خادمه وعونه أخلط شدتي بلينه فأكون سيفا مسلولا حتى يغمدني أو يدعني فأمضي، فلم أزل كذلك حتى قبضه الله عز وجل وهو عني راض، والحمد لله على ذلك كثيرا وأنأ به أسعد، ثم إني وليت أموركم أيها الناس فاعلموا أن تلك الشدة قد أضعفت ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدي، فأما أهل السلامة والدين والقصد فأنا ألين لهم من بعضهم لبعض، ولست أدع أحدا يظلم أحدا، أو يعتدي عليه حتى أضع خده على الأرض، حتى يذعن للحق، وإني بعد شدتي تلك أضع خدي على الأرض لأهل العفاف وأهل الكفاف، ولكم علي أيها الناس خصال أذكرها لكم فخذوني بها: لكم علي ألا أجتبي شيئا من خراجكم، وما أفاء الله عليكم إلا من وجهه، ولكم علي إذا وقع في يدي ألا يخرج مني إلا بحقه، ولكم علي أن أزيد عطاياكم وأرزاقكم إن شاء الله تعالى، وأسد ثغوركم على ألا ألقيكم في المهالك، وإذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا إليهم.
فاتقوا الله وأعينوني على أنفسكم بكفها عني، وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحضاري النصيحة فيما ولاني الله من أمركم...
- أرسل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رسالة إلى أبي موسى الأشعري في القضاء قائلا: [بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس، سلام عليك، أما بعد: فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أدلي إليك، وانفذ إذا تبين لك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، آس بين الناس في مجلسك ووجهك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك، البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين الناس إلا صلحا أحل حراما أو حرّم حلالا، ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك، وهديت لرشدك أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا في سنة، واعرف الأشباه والأمثال ثم قس الأمور عند ذلك، واعمد إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق فيما ترى، واجعل لمن ادعى حقا غائبا أو بينة أمدا ينتهي إليه، فإن أحضر بينة أخذت له بحقه، وإلا استحللت عليه القضاء، فإن ذلك أنفى للشك، وأجلى للعمى، وأبلغ في العذر، والمسلمون عدول في الشهادة بعضهم على بعض، إلا مجلودا في حد، أو مجربا عليه شهادة زور، أو ظنينا في ولاء أو قرابة، فإن الله قد تولى منكم السرائر، ودرأ عنكم الشبهات، وإياك والقلق والضجر والتأذي بالناس والتنكر للخصوم في مواطن الحق التي يوجب الله بها الأجر ويحسن الذخر، فإنه من يخلص نيته فيما بينه وبين الله – تبارك وتعالى – ولو على نفسه يكفه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين للناس بما يعلم الله خلافه منه شانه الله وهتك ستره وأبدى فعله، فما ظنك بثواب غير الله – عز وجل – في عاجل رزقه...] [د. جابر قميحة، أدب الخلفاء الراشدون، دار الكتب الإسلامية، مصر، 1985، ص120]
خامسا: وفاته
استشهد بعدما طعنه المجوسي أبو لؤلؤة وهو في صلاة الفجر لذلك لقب بشهيد المحراب، فتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف وقدمه للصلاة بالمسلمين.
رغبت نفسه أن يدفن إلى جانب المصطفى صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصّدّيق فقال لابنه عبد الله: [انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل: يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا، وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يُدفن مع صاحبيه]، انطلق إليها عبد الله، فسلم واستأذن فقال لها: [يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه»، فقالت: «كنت أريده لنفسي، ولأوثرنه به اليوم على نفسي].
فلما رجع عبد الله قال له عمر: [ما لديك؟] قال: [الذي تحب يا أمير المؤمنين، أذنت]، قال: [الحمد لله، ما كان من شيء أهم إلي من ذلك، فإذا قضيت فاحملوني، ثم سلم فقل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين].
وبعد ثلاثة أيام بايع المسلمون عثمان بن عفان، بعد أن تولى زمام أمور المسلمين بلال بن رباح.