الصدمة
الصدمات بما فيها الصدمة الأولى تخلع الإنسان من نفسه ، تحوله إلى شخص آخر ، و سلامتك النفسية تتوقف على مدى تقبلك لهذه الصدمات ، و على أسلوبك في مواجهتها ، و كيف تنمي نفسك حتى لا تتحول كل تجربة تمر بك إلى صدمة .إن هذا هو ما يسمونه النضج ، أن تكتوي بنار التجربة ، فتتغير أفكارك و قناعاتك ، بل و تتغير أنت ذاتك .يستمر تعرض الإنسان إلى الصدمات خلال سنين عمره ، و ذلك إذا ظلت نفسه محور اهتمامه ، فلا يفكر في الناس و لا يرى الكون من حوله سوى أفلاك تدور حول نفسه . يشبه ذلك إحساس الطفل أن باقي العالم من أناس لا يعرفهم يلعبون دور الكومبارس ، فقط ليجدهم هو يمرون في خلفية مشاهد حياته ،
و لذلك قد نرى شخصين يتعرضان لنفس المشكلة ، و نجد أحدهما يتعامل معها بشكل إيجابي أو على الأقل عملي ، بينما يتأثر الآخر بها بشدة ، بل و يهتز نفسيا ، و سبب ذلك هو اختلاف تقدير عظم المشكلة و حجمها لدى كل منهما ، ذلك أن الأول يعلم أنه إنسان مثل بقية الناس يتعرض لما سبق أن رآهم يتعرضون له ، و يعلم أن المصائب برغم قسوتها الشديدة أحيانا تصيب الناس جميعا ، أما الثاني و قد أهمته نفسه يجزع و يضطرب لأنه يرى مشكلته تسد الأفق ، و تخنق الحياة ذاتها ، بسبب اعتقاده السابق أن المشاكل تحدث للآخرين فقط .
الخروج من دائرة الحزن
يجب أن يسارع الإنسان بإزالة الحزن و الهم الناتج عن الصدمة بمجرد انتباهه لهذا الإحساس ، لأنه إذا تمكن من القلب ، دب إليه اليأس و أصاب النفس الشعور بصغر الشأن ، فيفقد الإنسان ثقته بنفسه (
وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
) آل عمران:139
و أول إجراء يتخذ لطرد هذا الإحساس هو ذكر الله و خاصة التسبيح بحمد الله ، فالتسبيح يهون من مرارة الصبر ، لأن التسبيح يعني تنزيه الله تعالى عن كل نقص ، فهو القادر على حماية الإنسان من موجات الحزن إن لجأ إليه ، و الحمد فيه تذكير بنعم الله الكثيرة ، و هذا من شأنه أن يهون على الإنسان إحساسه بفقد أي شيء إذا ذكر آلاف النعم التي تحيط به ، وفيه أيضا ألا يتعلق بغير الله ، فالناس لا يملكون لبعضهم البعض شيئا ، فإن لهم حدودا لا يتجاوزونها .
الإجراء الثاني هو الصلاة و خاصة السجود ، و توصيات القرآن و السنة معروفة للجميع في هذا الشأن ، و أبسط ما يقال أن السجود يمثل خلوة و مناجاة تستريح فيها القلوب ، و تلقي أثقالها ، و تستمد قوتها ، و تستشعر ما أعد لها ربها ، فتستصغر ما لاقت و ما تلاقي من أشواك الطريق ، و لا ينتهي في الصلاة كلام .
يتبقى بعد ذلك العمل ، أي أن يشتبك الإنسان مع الحياة يواجهها ، و يصلح من شأن نفسه و من حوله فيها ، فالانشغال يلهي القلب عن الاسترسال في الهموم ، أما الفراغ فيهيئ النفس للهم الناتج عن حصار ملفات الماضي و أوهام المستقبل .
أعود إلى بداية المقال و أسألك ، هل مازلت تجتر صدمات الماضي ؟
و هل أنت مستعد لتجاوز ما تحمله لك الحياة من تحديات مقبلة ؟