الجزائر في مرحلة ما قبل التاريخ: أحد المهود التي ترعرعت فيهم الإنسانية
كانت الجزائر تتمتع بمكانة مرموقة خلال مرحلة ما قبل التاريخ بفضل مساحتها و موقعها الجغرافي بحيث شكلت إحدى المهود التي ترعرعت فيها الإنسانية. و برز هذا التراث الحضاري بفضل الحفريات و التنقيبات الأثرية التي سمحت للباحثين بالكشف عن أول وجود للإنسان في الجزائر من خلال العودة إلى العصر الحجري القديم (مليوني سنة).
و يعد العصر الحجري أول و أطول مرحلة في فترة ما قبل التاريخ التي بدأت مع ظهور أول مخلوق بشري منذ حوالي مليوني سنة بحيث قسم هذا العصر إلى ثلاث مراحل: العصري الحجري القديم الأسفل و الوسيط و الأعلى.
ويعتبر الباحثون أن الموقع الأثري "عين لحنش" المتمثل في بحيرة قديمة متواجدة في بلدية قلتة الزرقة (ولاية سطيف) هو المكان الذي يحتوي على أقدم القطع الأثرية التي أكتشفت في 1947 و التي تعود إلى مرحلة ما قبل التاريخ في الجزائر و شمال إفريقيا. و يعود تاريخ هذه القطع الأثرية إلى 1.8 مليون سنة أي خلال العصري الحجري القديم الأسفل. و عليه يمكن القول أن أول وجود للإنسان في الجزائر يعود إلى حوالي مليوني سنة.
وعلاوة على الموقع الأثري لعين لحنش، تم اكتشاف موقع تيغنيف المتواجد في بلدية تحمل نفس الاسم بولاية معسكر بحيث سمحت الحفريات الأثرية باكتشاف بقايا حيوانات و بشر و أحجار منقوشة يعود تاريخها من 800000 إلى 400000 سنة قبل الميلاد (العصري الحجري القديم الأسفل) و تعريف رجل تيغنيف (رجل الأطلس) على أنه أقدم ممثل لشعوب شمال إفريقيا.
و كان رجل الأطلس الذي كان يملك مخا أصغر من رجل العصر الحالي و فكا أكثر قوة يتقوت من الجني و الصيد و كان كثير التنقل بحثا عن الغذاء. و عاش رجل الأطلس وسط المغرب العربي خلال آلاف السنين قبل أن يفقد أ ثره منذ حوالي 250000 سنة. و حل محل رجل الأطلس رجل القرن الإفريقي الذي وصل حسب الخبراء في علم الآثار إلى شمال إفريقيا مرورا بمنطقة القرن الإفريقي.
من جهة أخرى، اكتشفت بقايا للحضارة العاترية في منطقة بئر العاتر بولاية تبسة و التي تعود إلى العصرين الحجريين الوسيط و الأعلى (50000 سنة إلى 7500 سنة قبل الميلاد). وأبرزت الحفريات الأثرية الأسلحة المستعملة في الصيد و المصنوعة من الحصى و الخشب و الحبال. و أدخل العاتريون (من بئر العاتر) رؤوس عصى الرماح إلى المغرب العربي بحيث ظهرت هذه الصناعات خلال 15000 سنة قبل الميلاد بنواحي وهران قبل أن تنتشر في كل الساحل المغاربي خلال ال5000 سنة الماضية.
و بالرغم من هذه الاكتشافات، لا تزال الجزائر في فترة ما قبل التاريخ غير معروفة مما يستدعي القيام بمشاريع بحث أخرى. وفي هذا الشأن أوكلت الدولة مهمة هذه الأبحاث إلى المركز الوطني لبحوث ما قبل التاريخ و الأنثروبولوجية والتاريخية الذي حل مؤخرا محل مركز البحوث الأنثروبولوجية وما قبل التاريخ والإثنوغرافيا الذي استحدث في 1955.